من أكثر المؤسسات التي تعرضت للانتقاد بشدة من جانب الدراما خاصة بعد قيام ثورة 25 يناير هي مؤسسة الشرطة ، فكانت هناك العديد من المسلسلات الدرامية والأفلام السينمائية التي انتقدت بشدة هذا الجهاز الوطني الذي من المؤكد أنه يمثله شرفاء وأوفياء للشعب ويقدمون أرواحهم فداء للوطن ، وإن كانت هناك فيه نسبة بسيطة من الذين يسيئون لهذا الجهاز ، مثله مثل أي مؤسسة ، في مصر ، أو في العالم ، وبالإضافة لدرجة الوعي الواجب توافرها للمبدع الذي ندافع له عن حرية إبداعه ، فعلى أقل تقدير ، يجب أن يتوافر في عمله ما يعرف (بالمعادل الموضوعي ) لانتقاده سواء للأشخاص أو للهيئات .
ومن هنا فقد وجب على المبدع عندما ينتقد ضابط شرطة على سبيل المثال ويظهره بشكل سيء ، فهنا يجب أن يلعب الوعي الوطني والسياسي للمبدع دوراً هاماً آخر لا يقل قيمة عن هذا الإبداع ، ويوجد بجانب هذا النموذج ، مثالا آخر إيجابي لضابط شرطة مختلف يجسد الدور الوطني والحس المصري العام الذي تربينا عليه وأدركنا من خلاله الشعار الشهير " الشرطة في خدمة الشعب " والشعب والشرطة في خدمة الوطن " وهناك العديد من الأمثلة التي تناولت هذا الشق الخاص بالإبداع والانتقاد للشرطة المصرية ، ومدى تطبيقه لدرجة الحس الوطني من عدمه ، ومن ضمن هذه الأعمال الشهيرة :
مسلسل (أهل أسكندرية) للمخرج خيري بشارة ، الذي تم منع عرضه على الرغم من انتهاء تصويره منذ ثلاث سنوات ، فهو كان يتعامل مع مؤسسة الشرطة من جانب واحد فقط ومن زاوية سيئة للغاية دون أن يوجد الكاتب بلال فضل المعادل الموضوعي المنطقي للدراما بالحياة لهذا الانتقاد المباشر ، ويبدو أنه قد تجمع بالعمل مجموعة من النجوم منهم عمرو واكد و جيهان فاضل ، وهشام عبدالله ، فكانت رغبتهم في مهاجمة الداخلية أكثر من رغبتهم في إخراج عمل إبداعي موضوعي ومنطقي ومتوازن ، وتأثرهم بثورة يناير أكثر من تأثرهم بخيوط الفن ، فهناك ضباط كثيرون يستشهدون من أجل هذا الوطن ، سواء في محاربة الإرهاب أو حتى في البحث الجنائي ومطاردة الخارجين عن القانون ، فلماذا لم نر على الشاشة قصص كفاح وبطولات لهؤلاء الذين ضحوا بأنفسهم من أجلنا ، لماذا لم نر تتبع لأبناء شهداء هذه المؤسسة الوطنية الذين فقدوا آبائهم نتيجة تضحياتهم ، ولذلك فقد منعت الدولة عرضه لحثه على الهجوم علي وزارة الداخلية في الوقت الذي يستشهد أبناؤها من أجل هذا الشعب ودفاعاً عن هذا الوطن .
أما مسلسل (الصعلوك) لخالد الصاوي والذي كتبه محمد الحناوي وأخرجه عبد العزيز حشاد ، فقد أظهر رجال الشرطة أنهم على علاقة بعصابات المافيا الإجرامية بل ويتبادلون المعلومات التي تحميهم من أي أضرار ، أما في مسلسل (لعبة إبليس ) ليوسف الشريف والذي كتبه عمرو سمير عاطف وأخرجه احمد نادر جلال ، فكانت المعالجة الدرامية لعلاقة بين ضابط شرطة وصديقه الحرامي ، والذي يجعل الضابط يسئ استخدام سلطته ليدافع عن صديقه المجرم للدرجة التي يظلم فيها مواطن برئ لحساب صديقه المجرم ، كما قدم مسلسل (بعد البداية) للمخرج أحمد خالد موسى والكاتب عمرو سمير عاطف ، والبطولة لطارق لطفي ، نفس المعالجة ، حيث قدموا ثلاثة نماذج لضباط شرطة ، منهم الضابط خالد سليم الذي ينتزع الاعترافات بالانتهاكات والتعذيب ، بتشجيع من رئيسه اللواء فاروق الفيشاوي ، وفي المقابل كان هناك الضابط الآخر الذي يرفض هذا الأسلوب ويتعامل مع المواطن بآدمية .
وكان للنقاد آراء أخرى في هذا المضمار ومنهم ..الناقد نادر عدلي الذي قال :
الإبداع حالة متكاملة تحوى كل شئ ومنه هذا الحس الوطني فلا يصح أو يجب أن يتم الفصل بينهما ، لأن الحس الوطني من أهم مقومات الحالة الإبداعية ، أما هذه التفرقة فهي من صناعة الإعلام الردئ من بعض مذيعي التوك شو ، ولن تجد فنانا حقيقيا بالمعنى الكامل للفن يقوم وينتوي أن يقدم عملا ضد الوطن أو حتى مع الوطن ، فالإبداع حالة فنية غير موجهة ، وليس هناك فنان وطني وفنان غير وطني ، ولن تجد كذلك فنانا حقيقيا يحارب وطنا أو دينا أو حتى يحمل أي كراهية لأحد ، ولا أنفي أن هناك بعض النماذج المريضة بهذا التوجه لكننا لا يجب أن نعطيهم شرف ولقب فنان .
أما الناقدة الكبير " ماجدة موريس " فقد قالت :
فلندع للجمهور منصة الحكم على العمل ، فالجمهور قد تمرس وأصبح خبيراً بتقييمه للعمل ، وسيشعر حتماً دون شك إذا كان المبدع لديه أمانة العرض ، ونزاهة في معالجته للقضية ومدى مصداقيته في التناول ، فانا ألوم الدولة مثلاً في منعها لعمل مثل " أهل أسكندرية " لمجرد أن العمل يحمل العديد من الانتقادات للداخلية ، فكان يجب على الدولة أن تعرض هذا العمل ، وتترك للجمهور حرية الحكم عما إذا كان المبدعون فيه تحاملوا على جهاز الشرطة الوطني أم انتقدوا ما وجدوه من سلبيات ، وللأمانة فهناك العديد من الأعمال التي قدمت أخيراً وساهمت في إبراز الصورة الجيدة والجوانب المضيئة للشرطة ومنها ، مسلسل الخروج ، والقيصر.